الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "شيطان القايلة": نشاز في السينما التونسية

نشر في  08 جانفي 2018  (13:42)

الناقد السينمائي أو الصحفي الثقافي هو القاطرة بين الفيلم وجمهوره، ولا ينحصر دوره في الحديث عن الجوانب السلبية وتسليط الضوء على نقاط الضعف كما يتصور البعض،  إذ ان النقد يوضح الجوانب القوية واللافتة في الفيلم تمامًا كما يتحدث عن النواحي السلبية فيه، هذا ما نحمله معنا قبل التوجه لمشاهدة أي فيلم سينمائي خاصة اذا كان يعرض للمرة الأولى، حيث نحاول شأننا شأن كل متابع للسينما وخاصة التونسية منها، البحث عن الجوانب المضيئة للحديث عنها دون مغالاة بطبيعة الحال، لكن ماذا لو عجزنا عن ايجاد هذا الجانب المضيء ؟

حيرة شديدة انتباتنا اثر مشاهدة العرض الأول لفيلم "شيطان القايلة" لمعز كمون، من أين نبدأ ؟ وكيف نتجنب تضمين المقال لعبارات قاسية ضدّ أول فيلم يرى النور في السنة الجديدة؟ وهل تكفي كلمة "نشاز" لوصف فحوى "شيطان القايلة؟ ..

في البداية نشير الى أن أحداث الفيلم تدور حول شخصية «فاطمة» (سهير بن عمارة)، يتم الزج بزوجها «ابراهيم» (عبد المنعم شويات) في السجن بسبب محاولة اعتدائه على أحد أصدقائه الذي سلبه كل أملاكه في القمار (علي الخميري).  تلجأ فاطمة الى هذا الأخير قصد مساعدتها واخراج زوجها من السجن قيقترح عليها  في المقابل أن تدير حانة له مهجورة في الصحراء، هناك يتعرف زوجها على عراف وباحث عن الكنوز يقطن في الصحراء يدعى «مختار» (فؤاد ليتيم) وهو شخصية مرضية تعشق جمع الملابس الداخلية النسائية، ومختار قدم في الفيلم على أنه عراف، سيساعد إبراهيم على إيجاد حل لعقم زوجته، لكنه في الواقع ليس سوى منقب على الكنوز، حاول اغتصاب «فاطمة» في أول فرصة جمعته بها.

هذا ملخص الفيلم كما أراد ايصاله مخرجه معز كمون والذي قال في الملف الصحفي لشيطان القايلة :«مثّل هذا الفيلم مغامرة بكلّ المقاييس، من البداية إلى النهاية، بدأت قصته تتبلور بعد تغلغل ظاهرة الدجل و الشعوذة في مجتمعنا (...) أردت سرد قصّة امرأة على استعداد لتسامح زوجها على كلّ ما اقترفه من أخطاء في حقّها، و مستعدّة لمواصلة حياتها معه رغم دخوله عالم السحر و الشعوذة.. امرأة تحوّل حبّها لزوجها إلى إدمان فاق إدمانه على القمار.. في هذا الفيلم، فضّلت اعتماد التشويق والخيال بعيدا عن «الميلودراما»: قصة الفيلم واضحة ومفهومة ويدعمها الأداء التمثيلي و المشاهد الطبيعيّة التي تجاوزت جمالها لتصبح جزءًا من شخوص العمل.. لم أرغب في تصوير مجرّد فيلم بقدر ما أردت العودة للسينما الحقيقيّة ومراجعها".

نظريا يبدو كلام معز كمون جميل، لكن اذا نظرنا الى ما تم تطبيقه على أرض الواقع، لا يمكننا القول سوى "ليس كل ما يتمناه يدركه"،  فمخرج "شيطان القايلة" عجز بالكاشف  عن تحويل فكرته الرئيسية حول الدجل والشعوذة الى فيلم سينمائي يستحق المتابعة على جميع المستويات، حيث غابت الحبكة الدرامية للأحداث فلم نشاهد أحداث مسترسلة، ولا "خرافة" متماسكة، فجاءت اللقطات مسقطة غير مترابطة وكأن بالمخرج عجز هو الآخر عن فهم تطور الأحداث والربط بينها، ومهما حاولت مسك طرف الخيط علّك تستوعب المراد قوله من خلال تصاعد الأحداث فانك تعجز عن ذلك نظرا للتمطيط المبالغ فيه، والذي لم يخدم قصة الفيلم، مجرد لقطات متتالية ومشاهد مسقطة وغير مبررة وشخصيات تلاشى أدائها امام ضعف السيناريو رغم ما نعرفه عن أبطال الفيلم من حنكة وتميز في بقية أعمالهم، ولعل خير دليل هو تتويج عبد المنعم شويات بجائزة أحسن ممثل في الدورة الأخيرة من  أيام قرطاج السينمائية عن دوره في فيلم "مصطفى زاد".

هذا من ناحية المضمون، أما شكلا، فتعددت الأخطاء بل نكاد لا نجد نقطة ايجابية واحدة قد تغفر لمعز كمون ، لا من ناحية طريقة التصوير وتسليط الكاميرا على مساحات شاسعة من الصحراء مما أفقدها جماليتها، أو من ناحية الاضاءة التي طغى عليها اللون الأسود، أو الصوت الذي يعلو تارة ويختفي أخرى، أخطاء تقنية قد نجد لها مبرر ان ارتكبها هواة السينما، لكن أن تصدر عن مخرج محترف فهو ما يطرح نقاط استفهام كثيرة . 

"شيطان القايلة" لم ينل رضاء النقاد فقط، بل حتى الجمهور الذي لم يتردد في التصفير مع اعلان النهاية، ليكون هذا الفيلم مجرد رقم ينضاف الى مسيرة معز كمون مع ملاحظة "سيء" أو "نشاز " .

سناء الماجري